المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العيد ثورة على الأحزان


نور
04-17-2024, 01:52 AM
هذه الأمة منذ مبعثها لم تغادرها - لحظةً - سهام الأحزان ولا أخطأتها في كل عام الآلآم - فنبيها صلى الله عليه وآله وسلم - منذ بزغ للحياة وأحزان الدنيا ترميه بسهامها حزن اليتم.. حزن فقد الأب.. حزن فقد الأم - وما أشده من حزن - ثم لمَّا نبئ - عليه الصلاة والسلام - ما ودعته الأحزان ولا غادرت ساحته الآلآم بل كانت عليه أشد وأكثر..



حزن الخوف حين فَجَأَه المَلَكُ - عليه السلام - وهو وحيداً في غار رأس جبل - في ظلام ووحشة..



حزن فترة الوحي وحزن تكذيب قومه له وحزن اتهامهم له بالسحر والجنون والإفك وحزن الحصار والأذى وحزن فقد عمه أبي طالب وزوجه خديجة - رضي الله عنها - وحزن تعذيب أصحابه الضعفاء، حزن الاستضعاف حزن القلة حزن المؤامرة حزن قلة الحيلة وضعف القوة وأحزان كثيرة عاشها - صلى الله عليه وسلم - وهكذا أمته - صلى الله عليه وسلم - تجرعت من بعده أحزان وأي أحزان بدءً من موته - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى ذهاب الخلافة الراشدة إلى التنازع في الملك والأثرة إلى تسلط الأعداء عليها وتمزيق وحدتها، إلى ما هي فيه اليوم من التذبيح والتجويع والتقطيع والاحتلال..



ومع كل هذه الأحزان - فرض الله تعالى على هذه الأمة أن تخرج إلى هذا العيد الكبير في مجموعه..



الكبير في معناه.. الكبير في دلالاته.. تخرج لتفرح لتتحدى الأحزان والآلآم..تفرح بدين الله تعالى لا بدنياها..



لقد عاود هذا العيد أمتنا أكثر من ألف وأربعمائة مرة منذ أن خرجت إلى النور وأشرق برها على الأرض، كان أول عيد لهذه الأمة في السنة الثانية للهجرة استفتحه رسولنا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - وكان بعد انتصار بدر - وفي بدر فقد من فقد وفي بدر نزل ما نزل من القرآن من عتاب - لكن الانتصار كان أكبر من قرصات الأحزان هذه ثم لما رجع إلى المدينة إذا ببنته رقية - رضي الله عنها - قد ماتت..



فهل جاءنا نبأ عن مأتم حزن أقامه صلى الله عليه وسلم بشأن رقية أما خرج إلى العيد يبشر هذه الأمة ويذكرها بنعمة الله تعالى وينشر البهجة والسرور فيها.. نعم لقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى العيد فعاشه طائعاً شاكراً لربه تعالى سهلاً ميسوراً موصولاً بالله تعالى..



فإذا كانت هذه أحزان الأمة الكبيرة على مر التاريخ، لم تطفأ بهجة العيد ولم تكن حائلا دون الفرحة به، فأولى ثم أولى أن لا تطفأها الأحزان الشخصية فما من أحد إلا وقد مسه الحزن ومرت عليه أظفار الأسى في نفسه لِدَيْنٍ أو فَقْدٍ أو غربة أو خصام أو أي كان..



هذا العيد العظيم جاء ليحطم أغلال الأحزان - أحزان الضمير وأحزان الواقع - أحزان الفرد وأحزان الأمة - جاء ليطلق للبهجة والسرور العنان، في ظلال شريعة الرحمن..



جاء هذا العيد ليقول للعالمين كما تفرحون بدنياكم فإن أمة محمد صلى الله عليه وسلم تفرح بدينها وهداية ربها لها، وفرحها به غير ما تفرحون بدنياكم، ويرجون منه غير ما ترجون..



العيد ثورة على الأحزان في عالم الضمير وعالم الواقع :- ما دامت هذه الأمة تنعم بهداية الله تعالى في التصورات والسلوك في الاعتقاد وفي العمل تنعم بهداية الله تعالى في الحياة كلها بكل جوانبها، تعرف أين تضع قدمها!



تعرف الحلال من الحرام والحق من الباطل..



الأحزان كابوس ضخم وغل قاس، عميق الجذور في مسارب الشعور الإنساني، وما يزال البشر يعانون من الأحزان وأسبابها التي تقطع عنهم الأفراح وتنزل بقلوبهم الأتراح، وتجرح نفوسهم بالقِرَاح، إلاَّ أنَّ هذا العيد يتحدى كل الأحزان ما كان إسلام وإيمان، لأن المؤمن ما بقي إيمانه فقد حاز أعظم النعم وحُلِّلَ بأفضل الحُلَلِ، ولأن المسلم ما أصبح على دين ربه وهدايته لا يضره أحزان الدنيا وأتراحها، قال تعالى: ï´؟ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ï´¾، ومن لم يع هذا المبدأ فإنَّه سيقتل من نفسه بهجة العيد الحقة..



هذا العيد تَغَلَّب على الأحزان وثار عليها، فالله تعالى لم يجعل العيد مشروطاً بحال من حالات الأمة، فلم يقيده بحال العز دون الذل أو الغنى دون الفقر أو القوة دون الضعف، وغيرها من حالات البهجة والفرحة والسرور، ولم يمنعه عنها إذا أصابها ضر وهزيمة وقتل بل جعله الله تعالى مشروطاً بتمام شهر الصيام وختام رمضان، ومن هنا كانت قوة هذا العيد أنه فرحة بالدين فرحة بالهداية.. لأنها أجل نعمة وأما أحوال الدنيا فهي دائمة التقلب، دائمة التحول والتغير، وهي ابتلاء وامتحان أما العبادة.. أما الهداية فهي محضة نعمة، محضة منة، لذا من أقام في نفسه الدين فهو أحق الناس بالفرح، ولذا تخرج الأمة دائماً إلى هذا العيد وهي في زينتها وبهجتها وتكبيرها مهما أحاطها من الآلام والأحزان حتى ولو كانت تحوم فوق ديارها البارجات والطائرات والراجمات، وحين نستغرق في أحوالنا من عز وذل وغنى وفقر فإننا سنفقد الفرحة الإيمانية بهذا العيد.



وكلما استغرقنا تفكيراً في أحوالنا وأحوال أمتنا كلما اتسعت دائرة الأحزان وطغى شعورها فقتلت بهجة العيد الإيمانية، وقضت على بهجة الشكر - وكان ذلك انحرافا عن المنهج الشرعي والمقصد الرباني من العيد وبهجته فالفرحة في هذا العيد فرحة بدين الله تعالى دين الله كله وهي فرحة شكر لا تتصل بحال الإنسان الدنيوي - هي فريضة ليست متروكة للمواقف النفسية والأحوال الإنسانية.



وهذه الأحزان التي تثار كلما أقبل العيد من بعض الأقوام ليسوا من السنة في شيء، وإنما الغالب عليهم الاستغراق في همومهم وأحوالهم والاستجابة للأثر النفسي وطبيعته الخاصة بهم، وهي تعاود الظهور في كل زمان كأن العيد مثار أحزان لا فرحة إيمان، ولا هو عندهم شكر على هداية الرحمن.



فالعيد ثورة على أحزان الدنيا كلها بالفرحة بالهداية للدين والإيمان..



وحين يثور العيد على الأحزان يثور في يومه ويثور عليها في معناه ودلالاته حيث يزودنا بالتصورات والمنطلقات التي نحطم بها الأحزان ونربي بها الأمل السرور في أنفسنا أبد دهرنا.



إنه يعطينا أعظم مِصْلٍ ضد الأحزان ويمنحنا مناعة ضد الأسى إذ يذكرنا نعمة الله تعالى بهذا الدين بهذه الهداية وأنها أجل هبة وأضخم نعمة: ï´؟ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ï´¾، وأمَّا سواها من الدنيا فهي ابتلاء وامتحان لا مجرد نعمة، فمن خرج من قمقم الدنيا إلى أفق الدين خفت أحزانه ولا طالت أتراحه، تقرصه ولكنها لا تدميه، تؤلمه ولكنها لا تقتله، تدمع عينيه ولكنها لا تعدم من قلبه الأمل..



كيف لا يكون عيدنا ثورة على الأحزان، كل الأحزان - وهو عطية الله تعالى لنا لم يكن لأحد من الخلق إليه سبيل ولا هو فيه منة وإنما الذي اصطفاه لنا هو الله تعالى، ألا يكفي أن يكون هذا السر كاسرا لكل الأحزان ناشرا البهجة في النفوس والسرور في الصدور وهي تعيش هذا اليوم..



اللهم اجعلنا من الشاكرين لنعمتك المهتدين بهديك المعظمين لك.

مروان
04-17-2024, 03:06 PM
الله يعطيك العافيه وكل الجزاء

نورة
04-18-2024, 08:18 PM
http://www.meleklermekani.com/imagehosting/77138264_0_57210_c60845f6_L-116.gif




انجاز رائع

وموضوع مميز

وابداع راقي

سلمت وسلمت الايادي

التي شاركت وساهمت

في هذا الطرح الجميل

بارك الله فيك

لا تحرمنا من ابداعاتك

وتميزك المتواصل

واصل في كل ما هو جديد

ومفيد لديــــــــــــــك

فنحن بانتظار جديدك الرائع والجميــــــل

كوجودك المتواصل والجميل معنا

نـــــورة






http://www.meleklermekani.com/imagehosting/77138264_0_57210_c60845f6_L-116.gif




نورة

الأمير
04-19-2024, 04:25 AM
يُعْطِيكَم الْعَافِيَةُ
دُمْتُم بِهَذَا الْعَطَاءِ الْمُسْتَمِرِّ
أسْعدنَى الرَّدَّ عَلَى مَوَاضِيعِكُمْ
وَالتَّلَذُّذَ بِمَا قَرَأَتْ وَشَاهَدَتْ
تَقْبَلُوا خَالِصَ اِحْتِرَامِي
لِأَرْوَاحَكُمِ الجميله
وَدُمْتُم بِسَعَادَةِ دَائِمَةِ
http://media.tumblr.com/tumblr_m2t0tlS78c1qbs47q.gif

همسة
04-19-2024, 05:29 AM
جزاك الله خير

نور القلب
04-19-2024, 02:46 PM
جزاكم ربي خير الجزاء
ونفع الله بكم وسدد خطاكم
وجعلكم من أهل جنات النعيم
https://upload.3dlat.com/uploads/3dlat.com_23_18_9ebf_b87d178516b25.gif

امير الزهور
04-21-2024, 05:47 AM
ماأكثر الأشياء التي كنت اتمنى أن أقولها اليكم
، و ما أكثر المشاعر التي أحببت أن ابثها اليكم .ايها الراقين في منتدى امسيات
و لكني عندما أردت أن أكتب هذه الكلمات
، وجدتني عاجزا لا أستطيع كتابة شيء ..
و لكن بقت جملة واحدة تتردد على لساني، لا أدري لماذا؟
مبدعون حقا لا تحرمونه من نبض ابداعتكم