عرض مشاركة واحدة
#1  
قديم 04-01-2024, 09:28 AM
الراقية ♔ غير متواجد حالياً
أوسـمـتـي
 
 عضويتي » 100
 جيت فيذا » Mar 2024
 آخر حضور » 04-25-2024 (04:40 PM)
آبدآعاتي » 60,006
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه
جنسي  »
 التقييم » الراقية ♔ has a reputation beyond reputeالراقية ♔ has a reputation beyond reputeالراقية ♔ has a reputation beyond reputeالراقية ♔ has a reputation beyond reputeالراقية ♔ has a reputation beyond reputeالراقية ♔ has a reputation beyond reputeالراقية ♔ has a reputation beyond reputeالراقية ♔ has a reputation beyond reputeالراقية ♔ has a reputation beyond reputeالراقية ♔ has a reputation beyond reputeالراقية ♔ has a reputation beyond repute
 آوسِمتي » وسام العيد  


/ نقاط: 0
 
Thumbs up ليس بالإمكان أفضل مما كان





إذا إستطاع العقل إدراك الخيارات المتاحة في قضية ما، وكانت له القدرة على تصنيفها وإختيار الأفضل منها، فهذا فيه دليل على قدرته كذلك على إدراك ما قد يكون ممكنًا وما قد يكون مستحيلاً من تلك الخيارات المراد إعمالها واقعًا، إذْ لا يُعقل أن يعرف المرء بأنه إتخذ أفضل القرارات، وسار على أحسن الخيارات من دون أن يعرف حدود المستحيل في قضيته المطروحة، والسبل والحلول المتاحة في إختياره لقراراته.

وقد تكون المسألة أكثر تعقيدًا في إدراكنا للخيارات، عندما يكون للقضية المطروحة -والواجب حلها- جذور تاريخية بآثار وعواقب آنية، بحيث لا يمكن إستشراف مستقبل هذه المسائل والقضايا إلا من خلال إسترجاعنا لذلك الماضي، والبحث فيه، لعلنا نجد ما يساعدنا على إختيار أفضل القرارات، إذْ إن الإهتمام بمراجعة الماضي وإستدراك ما فات فيه من أحداث هدفُه الإستفادة في الحاضر، وبناء الآتي من المستقبل، وليس الغرض منه الافتخار بما تم إنجازه والرضا عن الذات، مع إتهام للبقية، وجَلد وتسفيه لكل مَن نختلف معه ولا نرى ما يقول ويفعل.

وبما أننا نتحدث عن الخيارات ومسألة إتخاذ القرار، فإننا نقول بأن الأمة قد أُصيبت في أقوالها وأفعالها -أفرادًا وجماعاتٍ- بالسلبية في تقييم ما مضى، والعجز في بناء ما هو قادم. والسبب في ذلك هو التمسك بالقدرة على إدراك ما كان ممكنًا، ثم بصواب القرار الذي اتُّخذ بناءً على ذلك الإدراك، إن هذا الادعاء قد يَعرف كذبَه وزيفَه العامةُ من الناس، فكيف بالنخبة والمثقفين من أبناء الأمة؟! فحال الأمة وتشرذمها وقلة تماسكها، مع وجود خلل في تجميع أفرادها، يُضاف إلى ذلك وضوحُ تراجعها وتخلفها، لهو دليل كافٍ على وجود مأساة في اتخاذ القرار، حيث تنطوي هذه المأساة على تساهل وضعف شديدَينِ في فهم القضية المراد تناولها، وبسوء إدراكٍ للعواقب والخيارات المتاحة، مما عجل بإتخاذ قرار خاطئ، وبالتالي الحصول على نتائج متشائمة معروفة لدى العامة والخاصة.

إذا عُرف هذا، فإن جملة -ليس بالإمكان أفضل مما كان- هي جملة سلبية قد تنزل بالناس نحو الأسفل، في حين أراد بها أصحابُها الظهور في الأعلى، إنها جملة تجعل صاحبها كمَن يربط أرجله داخل أعماق البحر بحجر، ويُوهِم الناسَ بأنه قد قام بالمستحيل لكي يسبح إلى السطح، إنها جملة يُقصد بها التستُّر على الحالة التي يصل لها الفرد أو الجماعة من تخلف وعجز وتراجع، وذلك بإقناع النفس على أنها قد قامت بما يتوجب عليها وإجتهدت قبل إتخاذ القرار، وبإيهام الغير على الكفاءة والحنكة، ولو أنه قُدِّر للناس بأن يكونوا مكانَهم ما وسعهم إلا إتباع نفس الطريق، وإتخاذ نفس القرارات.

ليس بالإمكان أفضل مما كان: هي جملة في المضارع أُريد بها البراءة من قرارات الماضي، فهي تُفيد الهروب نحو المستقبل، إذْ لا تكون معرفة الأفضل من القرارات إلا بمعرفة ما هي الأقل منها شأنًا أو ما هي أكثرها ضررًا، ثم إن الفاصل بين الممكن والمستحيل هو درجة فهمنا للقضية، ودرجة إستغلالنا للوسائل المتاحة في تسييرنا للقضايا، مع محاولة تكييف القرارات وإستشرافنا للمستقبل، أما أن تُتخذ قرارات عفوية، وأخرى ليست بالمدروسة أصلاً، وبعضها مقتصر على الفهم المنغلق، والإستيعاب الناقص، والإنفراد بالرأي الضيق الموصل حتما إلى المآسي والكوارث من القرارات، ثم نحتج بعد ذلك بقولنا: -ليس بالإمكان أفضل مما كان- فهذا هو عين السَّفَه، مع قلة في النباهة ورجاحة في الغباوة.

لسنا هنا كي نعلم الناس عملية اتخاذ القرار -وخاصة المسئولين منهم- ولكننا هنا لنقول رِفقًا بالممكن، فقد تماديتم في إستعمال لفظ المستحيل إذا تعلق الأمر بالأفعال والقرارات التي كان يمكن لها أن تكون إيجابية، فالأمة لا تحتاج إلى قرارات إنفعالية أو عفوية أو سطحية، بل إلى قرارات فاعلة، وأحد أوليات مراتب الإدراك في اتخاذ تلك القرارات هي طبيعة الأمة ذاتها، فهي خير أمة، كما قال الله عز وجل: {كنتم خيرَ أُمةٍ أُخرِجتْ للناسِ تأمرونَ بالمعروفِ وتنهَوْنَ عنِ المنكَرِ وتؤمنونَ باللهِ}، ومن حكمة الله سبحانه ربطه هذه الخيرية بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، ولا يكون أمر بمعروف ولا نهي عن منكر إلا بمعرفة ما هو المعروف وما هو المنكر، إذْ لا يجوز بحالٍ الأمر بشيء نشك في كونه معروفًا، أو ننهى عن شيء لم يثبتْ أنه منكر، فكذلك إذا تعلق الأمر بالقرار لزِمَ معرفة ما هو المناسب وغير المناسب حتى نختار الأفضل، تلك قاعدة أحسبها ضرورية في اتخاذ القرار، وتستوجب منا الوقوف عندها، لعلنا ندرك ما هو الأنسب من الخيارات، وما هو الممكن والمتاح لنا منها، قبل اتخاذ القرار الذي قد يُدمِّر بدلاً من أن يُعمِّر، وحينها فقط قد تصلح مقولة: ليس بالإمكان أفضل مما كان، وإلا فالعفوية والسطحية لم تكن يومًا من مقومات الأفضلية في شيء.
الموضوع الأصلي: ليس بالإمكان أفضل مما كان || الكاتب: الراقية ♔ || المصدر: منتدى امسيات










رد مع اقتباس