الفن التشكيلي كما يتجلى في الشعر مرافقا روح القصائد

الفن التشكيلي كما يتجلى في الشعر مرافقا روح القصائد

الفن التشكيلي كما يتجلى في الشعر مرافقا روح القصائد

يضع الباحث المغربي بوجمعة العوفي كامل خبرته في كتابه الجديد "الشعر والتشكيل في القصيدة المغربية المعاصرة" الصادر حديثاً عن مؤسسة "باحثون"، جامعاً بين كونه شاعراً ومتخصصاً في النقد الفني. فمثلما أصدر أعمالاً شعرية عديدة كانت له إسهامات موازية في الدراسات المتعلقة بالفن التشكيلي. وإن كان عنوان الكتاب يحيل إلى إطارين نقديين: مجال الاشتغال (القصيدة المغربية) وتحقيب التجربة (المعاصِرة)، غير أنه لا يولي أهمية بالضرورة لمسألة المجايلة، ولا تنسحب مقاربته على القصيدة المغربية بشكل شامل، بل على نوع محدد من الكتابة الشعرية يستجيب للشرط الجمالي الذي وضعه الكاتب كعلامة تشير إلى منهجه النقدي. فما سيبحث عنه العوفي داخل النصوص الشعرية هو حضور التشكيل والجماليات البصرية.
يشير الناقد المغربي في مقدمة كتابه إلى أن موضوع دراسته هو "المتون الشعرية المغربية المعاصرة، في تجاربها ونماذجها المنتسبة أساساً إلى بنيات بصرية – صورية واضحة ومجسدة فضائياً ومكانياً: بنيات تجعل من هذه القصيدة عملاً إبداعياً شاملاً، ومنفتحاً على إيقاعات بصرية جديدة وغير سماعية، تنقل قارئها من وضع السماع إلى وضع المشاهدة، والتأمل، والإدراك البصري". لذلك يعمد إلى تحليل البنيات والأشكال البصرية الدالة في العديد من النصوص المغربية المعاصرة، متجاوزاً ذلك إلى مقاربة الأعمال الفنية التي زاوجت بين الشعر والتشكيل، سواء في كتب ضمت نصوصاً ولوحات أو في معارض شعرية تشكيلية، وصولاً إلى الشعر الرقمي.






ينطلق الباحث المغربي من مفهوم "الإكفراسيس" L ’ekphrasis لضبط المسافة بين الأدب والتشكيل، ولتقريب القارئ من طبيعة العلاقة بين هذين المجالين الإبداعيين. وهو إذ يعود إلى هذا المصطلح الإغريقي الذي يعني وصف العمل الفني، يتطرق في الآن ذاته إلى ما عرفه من تحولات عبر التاريخ، ليصل إلى روايات بلزاك وإميل زولا وبروست وقصائد بودلير ورامبو التي تضمنت نصوصاً واصفة للوحات الرسامين. يؤكد العوفي أن هذه التفاعل بين الأدب والتشكيل ضارب في القدم، ويتخذ تمظهرات عدة.
"منارات" بودلير
يقف العوفي عند قصيدة "المنارات" لبودلير باعتبارها نموذجاً شعرياً لـ"الإكفراسيس"، فكل مقطع رباعي منها هو تفاعل مع عمل فني للرسامين: روبنس، دافنشي، رامبرانت، غويا، دولاكروا وغيرهم. بالمقابل قامت مجموعة من الرسامين بإبداع لوحات تجسد قصائد شعرية، أو وضعوا، في كتب الشعراء، لوحات مرافقة للنصوص الشعرية ومستوحاة منها.
يعود العوفي إلى التراث العربي ليرى أن الجاحظ هو أول من انتبه لمفهوم التصوير حين عرف الشعر على هذا النحو: "فإنما الشعر صناعة وضرب من النسيج وجنس من التصوير". بالتالي كان سباقاً إلى طرح فكرة مفادها بأن الشعر قادر على تشكيل مساحة بصرية في ذهن المتلقي. ويعتبر الباحث المغربي أن المعلقات كانت فناً مرئياً بامتياز، فكتابة القصائد بماء الذهب وتعليقها على جدار الكعبة، هو انتقال بالشعر من التداول الشفهي إلى الحضور البصري. وصارت هذه التجربة بمثابة "معرض دائم للشعر المرئي". وفي العصر الحديث يعتبر العوفي قصائد أحمد شوقي عن أبي الهول ومعبد أنس الوجود مؤشراً إلى حضور الجانب البصري في الشعر، غير أنه يرى في شاعر جماعة "أبولو" أحمد زكي أبوشادي رائد "شعر التصوير" في العالم العربي. فقد أنشأ بالعنوان ذاته في مجلة الجماعة، وطفق يكتب فيه قصائد مستوحاة من أعمال فنية بصرية.




رسم منى السعودي من وحي شعر محمود درويش (صفحة الرسامة على فيسبوك)


يعرج الباحث المغربي على العراق مستشهداً بقصيدة سعدي يوسف "تحت جدارية فائق حسن" باعتبارها نموذجاً ناضجاً لقصيدة الصورة، لينطلق بعدها في قراءة نماذج مغربية، متوقفاً عند المجموعة الشعرية "فتحتها عليك" لوداد بنموسى التي تشكلت كل صفحة منها من صورة وقصيدة قصيرة ترافقها الترجمة الفرنسية. بل إن العوفي يعود إلى عمله الفني "هوامش لذاكرة العين"، مقدماً ثمانية نماذج منها جمعت الشعر بالفوتوغرافيا، مرفقة بدراستين للناقدين المغربيين بنيونس عميروش وإبراهيم الحجري.
بين التشخيص والتجريد
حاول العوفي مقاربة لوحات الأغلفة والرسومات الداخلية في المنجز الشعري في المغرب، محاولاً قراءة الوظيفة التعبيرية لها بين التشخيص والتجريد. وانطلق من المجموعة الشعرية "العبور إلى ضفاف زرقاء" للمغربي محمد بنيس التي صمم غلافها الفنان السوري يوسف عبدلكي، متعقباً أثر الشعر في اللوحة، لاستيعاب الكيفية التي شخص بها عبد لكي فكرة العبور وخصوصية مكانه.
الأمر ذاته ينجزه العوفي وهو يقرأ أغلفة عدد من المجاميع الشعرية لشعراء مغاربة مثل محمد الطوبي، محمد موتنا، عبد الناصر لقاح، فاتحة مرشيد، إدريس الملياني، جمال بوطيب، مع قراءة موازية للأعمال الفنية المرافقة للنصوص والمتضمنة في الأعمال الشعرية.
أشار العوفي إلى تجربة مغربية فريدة للشاعر رشيد المومني الذي أصدر أعمالاً إبداعية جاورت بين الشعر والتشكيل. ففي "مهود السلالة" على سبيل المثال، يبدع المومني أشكالاً فنية خارجة من رحم القصائد، كما يكتب قصائد تبدو امتداداً للعمل الفني. بل إنه يجعل من التجليات الخطية والرسمية للنصوص تشسيعاً وتنويعاً لحمولاتها الدلالية. غير أن الباحث المغربي مر على تجربة المومني سريعاً، فيما كان يفترض التعمق فيها لاعتبار أساس، فالشاعر هو نفسه الفنان التشكيلي، واليد التي تكتب هي اليد نفسها التي ترسم. وتكاد تكون تجربة المومني ربما الوحيدة في المغرب.



غير أن العوفي الذي مر خفيفاً على "مهود السلالة" يعود في الصفحات اللاحقة إلى تجربة المعرض الشعري التشكيلي لرشيد المومني "فاس تباريح الرماد" في قراءة معمقة وفاتنة.
جمع العوفي في كتابه المهم بين الإنجاز النظري والتطبيقي من جهة، كما كان يحاول من حين لآخر أن يضيء تجربته الشخصية للقارئ العربي، وكيف لا وهو أحد الأسماء الأساسية في المغرب التي انتبهت باكراً إلى العلاقة بين الشعر والتشكيل، ليس انتباهاً معرفياً فحسب، بل إن العوفي قام بإجراء معارفه الواسعة في هذا المضمار وتنزيلها عبر إقامة معارض تشكيلية شعرية، جمعت نصوصه بأعمال رسامين يدركون هم أيضاً أن الأسوار بين الشعر والتشكيل قصيرة للغاية، وربما غير مرئية. ونذكر في هذا الصدد معرض "ألوان المغرب" الذي نظم في الدنمارك، والمعرض العالمي Shoes or no shoes في بلجيكا، ومعرض "أجساد متشظية - أجساد مغتصبة" في إفران وغيرها.

الموضوع الأصلي: الفن التشكيلي كما يتجلى في الشعر مرافقا روح القصائد || الكاتب: قَـلـبْღ || المصدر: منتدى امسيات

المهره معجب بهذا

المصدر: منتدى امسيات - من قسم: الـرَسّـمُ آلـتـشـكِـيّـلـيُ

المصدر: منتدى امسيات - من قسم: الـرَسّـمُ آلـتـشـكِـيّـلـيُ