لماذا هذه السـ...!
قالها غير مدرك لما تخلفه وراءها في قلبي الذي لم يعد فيه متسع للأرق..!
حاولت أن أجد لها تكمله تليق بقلبي .. بنبضي .. بكينونتي التي أعرفها منذ ميلاد جاء بي إلى هذا الكون ..!
عدت بعد إن ابتلعت أوجُعي وأودعتها أعماقي.. عدت وبخافقي نصف نبض يتأوه ونصفه الآخر على وشك البكاء..عدت ..إلى دهاليز روحي .. تلك التي طالما احتضنت تأوهات مواجيدي المنهمرة على أعتاب الليل..
دقت الساعة معلنة الثانية عشر ليلاً .. سحبت أنفاسي المتناثرة على ورقة هنا وأخرى هناك.. ولملمت نبضي المعلق على أستار الأرق .. حاولت أن ألقي بأفكاري المتداخلة خارج رأسي وأسلمني للنوم .. تماماً كما ألقيت بجسدي الذي توسده الأنين .. ولكن هيهات لي أن ألتحف بوسن والأرق ليس مني ببعيد .. حينها كان خيط ضوء منبعث من شفتي القمر يقبل دمعة تعلقت على أهدابي الناعسة.. أحسست بحاجة عارمة لأن أذهب إلى أمي وأخبرها كم أنا بحاجة لأحضانها التي تشعرني بالأمان .. تقلبت في فراشي على أمل غفوة تلهي القلب عن مواجيده.. عن اضطراب خواطره .. عن التفكير في جملة خدجا لم تكتمل ذات موعد..!
وبينما أنا كذلك إذ بصوت يبدد ظلمة الليل المكتحل بالأرق ..انساب ذاك الصوت شلالات دفء علي.. شعرت أني قربية منه حد الرؤية .. حد التوهج .. حد المناجاة..انسحبت من فراشي الذي ما أسعفني بقليل من نوم.. وتبعت ذاك الصوت .. انهل من عذوبته .. و ما هي إلا لحظات حتى وجدت كل ذرات كياني تخر ساجدة أمامه .. تسكب دموع صبابتها بين يديه..وكأنما كل حواجز المسافة قد ذابت .. وتلاشت تماماً ..
شكوت إليه ما بي .. شكوت إليه قلبي الذي أهداني إياه..قلب لا يصلح لهذا الزمان المليء بالـ...!
قلب من صفاء سريرته بات أوسع من كون وأرهف من وجد .. وأعذب من لحن.. قلب بات مأوى للمساكين الباكين .. حتى إذا ما قلت ها قد امتلأ أجده اتسع ..! أ يتسع ! ولم يتسع ؟ ء لمزيد من الآآآه..!
أيبقى ضفة وارفة الظلال لكل غاد ورائح كل نهاره ومسائه .. حتى إذا أسلمه الجميع لليل كان موعده مع أرقه وعنائه الذي لا يتبدى لأحد كل ذات نهار قربه .. قلب كلما ابتسم في نهاره عاقبه ليله بمزيد من الألم.. ومزيد من الوجد ومزيد من السهد..!
وجدتني أشكو إليه حالي دون وجل.. أمطرت وقتي معه بدموع خافقي .. و فجأة أحسست بوابل من حنانه ينهمر علي .. يغمرني .. يتسرب في حنايا الروح عذب كماء جاء على ظمأ .. لقد كان يعلم بحالي منذ فجر مضى..
أمضيت معه ثلثي الأخير من الليل وجاء الفجر يستشرف بسمتي التي أهداني إياها ليل مضى.. حمدت الله على قلبي الذي أودعه صدري والذي سيظل حامداً إياه.. وأدركت أن قليل هم الذين يملكون ملكة الشعور .. قليل جداً هم الذين أهداهم الله قلوباً تشعر بالآخرين ...