كان أحمد باشا الجزار والي وصدر أعظم عثماني وقد اشتهر بصولاته وجولاته في الدفاع عن عكا ضدنابليون ، حيث أوكل إليه السلطان العثماني سليم الثالث مهمة الدفاع عن عكا بعد
كان أحمد باشا الجزار والي وصدر أعظم عثماني وقد اشتهر بصولاته وجولاته في الدفاع عن عكا ضدنابليون ، حيث أوكل إليه السلطان العثماني سليم الثالث مهمة الدفاع عن عكا بعد أن رقاه إلى مرتبة وزير ، ولولا وفاته لكان تولى حكم مصر قبل محمد علي .
ولد أحمد الجزار في البوسنة عام 1722م وقد نشأ في كنف أسرة مسيحية ، ثم هرب في شبابه إلىالقسطنطينية ، وقد اختلف المؤرخون في سبب هروبه ، فيقال أنه بسبب أسباب عائلية أو بسبب جريمة قتل .
قام تاجر رقيق ببيع أحمد الجزار للباب العالي ، وهناك اعتنق الإسلام بكامل إرادته ، ثم ذهب إلى القاهرة مع قافلة عائدة من الحج ، وبعد ذلك التحق لخدمة أحد المسئولين بالبحيرة بشمالي مصر ، وهناك تزوج من امرأة مصرية من أصول حبشية .
تم تلقيب أحمد باشا بلقب ” الجزار ” بعد أن قام بغارات متتالية على البدو في حول جدة انتقامًا منهم لقتل قائده ، حيث أعد لهم كمينًا وذبح فيه أكثر من 70 بدويًا كان بينهم العديد من الشيوخ وقادة البدو الأقوياء ، ولم يترك خلفه ناجين ماعدا الأطفال والإناث وكبار السن ، وقد ذكرت بعض المراجع التاريخية أن البدو قاموا بالانتقام من أحمد باشا الجزار بسبب ما فعله بهم ، فقتلوا زوجته وابنته ، إلا أنهم لم يتمكنوا من قتل إبنه داوود الذي هرب منهم .
كان أحمد باشا الجزار يعمل عند علي بك الكبير الذي حكم مصر بين عامي 1768م و1773م، وقد استغله على بك الكبير في القضاء على معارضيه ومنافسيه ومنحه لقب بك ، وبعد حدوث انقلاب محمد بك أبو الذهب العسكري على الحاكم علي بك الكبير ، فرّ أحمد باشا وذهب إلى جبل لبنانمتغاضيًا عن كرهه للدروز ، حيث كان الأمير يوسف الشهابي زعيم الدروز يحكم ساحل لبنان ومدن حمص وحلب في ذلك الوقت ، وقد كلفه بحفظ بيروت .
تمكن الجزار من بناء سورًا قويًا حول المدينة ، ثم انقلب على صديقه الأمير يوسف الشهابي ، إلا أن الأمير تمكن من استعادة بيروت من الجوار بمساعدة ظاهر العمر حاكم منطقة الجليل بـ فلسطينوالأسطول الروسي ، فهرب الجزار وعاد للسلطان العثماني الذي قام بتفويضه على ولاية صيدا ومنحه لقب ” باشا ” .
ظل لقب ” الجزار ” الذي حمله معه أحمد باشا إلى مصر علامة عليه ، فقد استطاع أن يسيطر على القوى المحلية والعشائرية بقسوة ، وسعى لحكم فلسطين وجنوب سورية ولبنان وكذلك كان يطمع في حكم مصر ، وقد كان السلطان يراقب توسعاته ونفوذه ، وقد حاول أن ينحيه أو ينقله لولاية بعيدة أكثر من مره كالبوسنة ، إلا أن الجزار كان يرفض الأمر ، حتى أنه أغراه للذهاب إلى مصر ومحاربة المملوكين ولكنه لم يقع بالفخ .
استطاع الجزار تحقيق الاستقلال بأجزاء من بلاد الشام بدون أن يعلن عن هذا الاستقلال عن السلطنة ، كما أنه كتب تقريرًا للسلطان أخبره فيه عن كيفية غزو مصر وطالب فيه بأهمية ضبط إيرادات مصر ومصروفاتها ، كما أنه أعطى مواصفات ضرورية يجب أن تتوافر في قائد الحملة على مصر وأهمها أن يكون قد سبقت له الإقامة في مصر .
حقق نابليون انتصارات كبيرة على الإمبراطورية النمساوية ، وأجبرها على توقيع معاهدة كامبو فورميو ، وبعد عودته إلى باريس زادت شعبيته وأصبح محبوبًا من قبل الأمة الفرنسية جميعها ، لذلك قررت الحكومة إرساله في حملة عسكرية إلى مصر لضرب خطط الإنجليز في الشرق وفي نفس الوقت لإبعاده عن فرنسا ولما شعرت به بخطورة هذا الجنرال الذي نال إعجاب الشعب .
تمكن نابليون من احتلال جزيرة مالطة ثم وصل إلى الاسكندرية واحتلها ، وبعد ذلك اتجه إلى القاهرة ، ومن القاهرة اتجه إلى غزة واحتلها ، وبعد ذلك تقدم إلى فلسطين واحتل يافا ونفذ هناك مذبحة رهيبة بعد استسلام المدينة ؛ رغبةً منه في بث الرعب في قلوب الناس ، ثم واصل طريقه إلى عكا وحاصرها ، وقد أراد احتلال تلك المدينة لكي يستمر في حملته شمالاً إلى الشام ، فقد كانت مدينة عكا تحتل موقعًا استراتيجيًا مهمًا .
أرسل نابليون رسالة إلى القائد أحمد باشا الجزار يخبره فيها أنه أمام قلاع عكا ، ويأمره بتسليم المدينة دون إراقة الدماء ، إلا أن الجزار رفض تسليم المدينة وقرر الدفاع عنها ، ثم بدأت المعركة في اليوم التالي ، وأظهرت الحامية العثمانية لمدينة عكا شجاعة فائقة في القتال على الرغم من أن الجيش الفرنسي كان متفوقًا عنهم من حيث العدد والاعتدة الحربية .
مرت الأيام والأسابيع وظلت المعارك مستمرة ، واستمرت المدينة في الصمود أمام الفرنسيين ، وعلى الرغم من محاولات نابليون للفاوض مع الجزار ، إلا أنه كان يرفض بشدة ، وقد رد قائلاً للوفد الفرنسي الذي أرسله نابليون : ” لم تقم الدولة العلية العثمانية بتعييني وزيراً وقائداً لكي أقوم بتسليم هذه المدينة إليكم… إنني أحمد باشا الجزار لن أسلم لكم شبراً من هذه المدينة حتى أبلغ مرتبة الشهادة ” .
بعد أن قام الوفد بنقل ما قاله أحمد باشا الجزار إلى نابليون ، جن جنونه ، وأمر بوضع المئاب من المشاعل ليلاً بالقرب من أسواء المدينة لكي يستمر قصف الأسوار حتىفي الليل ، ولعدم إعطاء أي فرصة للمدافعين لكي يرتاحوا ، وقد استمر الهجوم على هذا المنوال ، والتحم الغزاة مع العثمانيين وعلى رأسهم أحمد باشا الجزار ، وتكبد الغزاة خسائر فادحة وفشل الفرنسيون في الانتصار ، وبعد 64 يومًا من الحصار الشديد والقتال دامي انسحب نابليون وجيوشه وقاموا بفك الحصار ، لتصبح تلك هي المعركة البرية الوحيدة التي خسرها نابليون .